فصل: قال صاحب الميزان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كلام في معنى الانتقام ونسبته إليه تعالى:

.قال صاحب الميزان:

الانتقام هو العقوبة لكن لا كل عقوبة بل عقوبة خاصة وهى ان تذيق غيرك من الشر ما يعادل ما اذاقك منه أو تزيد عليه قال تعالى: {ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله}.
وهو أصل حيوى معمول به عند الإنسان وربما يشاهد من بعض الحيوان أيضا اعمال يشبه ان تكون منه وايا ما كان يختلف الغرض الذي يبعث الإنسان إليه فالداعي إليه في الانتقام الفردى هو التشفي غالبا فإذا سلب الواحد من الإنسان غيره شيئا من الخير أو اذاقه شيئا من الشر وجد الذي فعل به ذلك في نفسه من الاسى والاسف ما لا تسكن فورته ولا تخمد ناره الا بأن يذيقه من الشر ما يعادل ما ذاق منه أو يزيد عليه فالعامل الذي يدعو إليه هو الاحساس الباطني واما العقل فربما اجازه وانفذه وربما استنكف.
والانتقام الاجتماعي ونعنى به القصاصات وانواع المؤاخذات التي نعثر عليها في السنن والقوانين الدائرة في المجتمعات اعم من الراقية والهمجية الغالب فيه أن يكون الغرض الداعي إليه غاية فكرية ومطلوبا عقليا وهو حفظ النظام عن الاختلال وسد طريق الهرج والمرج فلولا أصل الانتقام ومؤاخذة المجرم الجاني بما اجرم وجنى اختل الأمن العام وارتحل السلام من بين الناس.
ولذا كان هذا النوع من الانتقام حقا من حقوق المجتمع وان كان ربما استصحب حقا فرديا كمن ظلم غيره بما فيه مؤاخذة قانونية فربما يؤاخذ الظالم استيفاء لحق المجتمع وان ابطل المظلوم حقه بالعفو.
فقد تبين ان من الانتقام ما يبتنى على الاحساس وهو الانتقام الفردى الذي غايته التشفي ومنه ما يبتنى على العقل وهو الانتقام الاجتماعي الذي غايته حفظ النظام وهو من حقوق المجتمع وان شئت قلت من حقوق السنة أو القانون الجارى في المجتمع فان استقامة الأحكام المعدلة لحياة الناس وسلامتها في نفسها تقتضي مؤاخذة المجرم المتخلف عنها واذاقته جزاء سيئته المر فهو من حقوق السنة والقانون كما انه من حقوق المجتمع.
إذا عرفت هذا علمت ان ما ينسب إليه تعالى في الكتاب والسنة من الانتقام هو ما كان حقا من حقوق الدين الإلهى والشريعة السماوية وان شئت فقل من حقوق المجتمع الاسلامي وان كان ربما استصحب الحق الفردى فيما إذا انتصف سبحانه للمظلوم من ظالمه فهو الولى الحميد.
واما الانتقام الفردى المبنى على الاحساس لغايه التشفي فساحته المقدسة اعز من أن يتضرر بإجرام المجرمين ومعصية المسيئين أو ينتفع بطاعة المحسنين.
ومن هنا يظهر سقوط ما ربما استشكله بعضهم ان الانتقام انما يكون لتشفى القلب واذ كان تعالى لا ينتفع ولا يتضرر بشئ من اعمال عباده خيرا أو شرا طاعة أو معصية فلا وجه لنسبة الانتقام إليه كما ان رحمته غير المتناهية تأبى ان يعذبهم بعذاب خالد غير متناه كيف لا؟ والواحد من ارباب الرحمة يرحم المجرم المقدم على أي معصية إذا كان عن جهالة منه وهو تعالى يصف الإنسان وهو مخلوقه المعلوم له حاله بذلك إذ يقول: {إنه كان ظلوما جهولا} الاحزاب 72.
وجه السقوط ان فيه خلطا بين الانتقام الفردى والاجتماعي والذى يثبت فيه تعالى هو الاجتماعي منه دون الفردى كما توهم كما ان فيه خلطا بين الرحمة النفسانية التي هي تأثر وانفعال قلبى من الإنسان وبين الرحمة العقلية التي هي تتميم نقص الناقص المستعد لذلك والتى تثبت فيه تعالى هي الرحمة العقلية دون الرحمة النفسانية ولم يثبت الخلود في العذاب الا فيما إذا بطل استعداد الرحمة وامكان الافاضة قال تعالى: {بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة: 81.
وههنا نكتة يجب ان تتنبه لها وهى إن الذي تقدم من معنى الانتقام المنسوب إليه تعالى انما يتأتى على مسلك المجازاة والثواب والعقاب واما على مسلك نتائج الأعمال فترجع حقيقته إلى لحوق الصور السيئه المؤلمه بالنفس الإنسانية عن الملكات الرديئة التي اكتسبتها في الحياة الدنيا بعد الموت وقد تقدم البحث في الجزء الأول من الكتاب في ذيل قوله تعالى: {ان الله لا يستحى ان يضرب مثلا ما} الآية البقرة 26 في جزاء الاعمال.
قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد}. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} الآية.
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بتبديل الأرض يوم القيامة.
وقد جاء في آية آخرى ما يُتوهم منه أنها تبقي ولا تتغيرُ، وهي قوله تعالى:{إنا جعلنا مع على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملًا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدًا جرزًا} فإنه تعالى في هذه الآية صرح بأنه جعل ما على الأرض زينة لها؛ لابتلاء الخلق، ثم بين أنه يجعل ما على الأرض صعيدًا جرزًا، ولم يذكر أنه يتغير نفس الأرض؛ فيتوهم منه أن التغيير حاصل في ما عليها دون نفسها.
والجواب: هو أن حكمة ذكر ما عليها دونها، لأن ما على الأرض من الزينة والزخارف ومتاع الدنيا، هو سبب الفتنة والطغيان ومعصية تعالى.
فالإخبار عنه بأنه فإن زائل؛ فيه أكبُر واعظٍ وأعظمُ زاجرٍ عن الافتتان به، ولهذه الحكمة خصّ بالذكر؛ فلا ينافي تبديل الأرض المصرح به في الآية الآخرى، كما هو ظاهر، مع أن مفهوم قوله:{ماعليها} مفهومٌ لقبٍ؛ لأن الموصول الذي هو ما واقع على جميع الأجناس الكائنة على الأرض زينة لها.
ومفهوم اللقب لا يُعتبر عند الجمهور، وإذا كان لا اعتبار به لم تظهر منافات أصلًا.
والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب} يقول: أنذرهم في الدنيا من قبل أن يأتيهم العذاب.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب} قال: يوم القيامة {فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب} قال: مدة يعملون فيها من الدنيا {أو لم تكونوا أقسمتم من قبل} لقوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} [النحل: 38] {ما لكم من زوال} قال: الانتقال من الدنيا إلى الآخرة.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: بلغني أن أهل النار ينادون {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} فرد عليهم {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال} إلى قوله: {لتزول منه الجبال}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {ما لكم من زوال} عما أنتم فيه إلى ما تقولون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ما لكم من زوال} قال: بعث بعد الموت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} قال: سكن الناس في مساكن قوم نوح وعاد وثمود. وقرون بين ذلك كثيرة ممن هلك من الأمم {وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال} قال: قد والله بعث الله رسله وأنزل كتبه وضرب لكم الأمثال فلا يصم فيها إلا الأصمّ ولا يخيب فيها إلا الخائب، فاعقلوا عن الله أمره.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} قال: عملتم بمثل أعمالهم.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وضربنا لكم الأمثال} قال: الأشباه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وإن كان مكرهم} يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال.
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف، عن الحسن رضي الله عنه قال: أربعة أحرف في القرآن {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} ما مكرهم وقوله: {لتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين} [الأنبياء: 17] ما كنا فاعلين. وقوله: {إن كان للرحمن ولد} ما كان للرحمن من ولد وقوله: {ولقد مكناهم في ما إن مكناهم فيه} ما مكناكم فيه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإن كان مكرهم} يقول شركهم. كقوله: {تكاد السموات يتفطرن منه} [مريم: 90].
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} قال: هو كقوله: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا لقد جئتم شيئًا إذًّا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا} [مريم: 88-90].
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه، أن الحسن كان يقول: كان أهون على الله وأصغر من أن تزول منه الجبال، يصفهم بذلك. قال قتادة رضي الله عنه: وفي مصحف عبد الله بن مسعود {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} وكان قتادة رضي الله عنه يقول عند ذلك {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا} أي لكلامهم ذلك.
وأخرج ابن حميد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر: كان يقرأ {وإن كان مكرهم} بالنون {لتزول} برفع اللام الثانية وفتح الأولى.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف، عن عمر بن الخطاب أنه قرأ {وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال} يعني بالدال.
وأخرج ابن المنذر وابن الأنباري، عن علي بن أبي طالب أنه كان يقرأ {وإن كان مكرهم}.
وأخرج ابن الأنباري عن أبي بن كعب، أنه قرأ {وإن كان مكرهم}.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس، أنه قرأ {وإن كاد مكرهم}. قال: وتفسيره عنده {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال} هذا {أن دعوا للرحمن ولدًا} [مريم: 91].
وأخرج ابن جرير عن مجاهد، أنه كان يقرأ {لتزول} بفتح اللام الأولى، ورفع الثانية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} ثم فسرها فقال: إن جبارًا من الجبابرة قال: لا أنتهي حتى أنظر إلى ما في السماء، فأمر بفراخ النسور تعلف اللحم حتى شبت وغلظت، وأمر بتابوت فنجر يسع رجلين، ثم جعل في وسطه خشبة، ثم ربط أرجلهن بأوتاد، ثم جوَّعهن، ثم جعل على رأس الخشبة لحمًا ثم دخل هو وصاحبه في التابوت، ثم ربطهن إلى قوائم التابوت، ثم خلى عنهن يردهن اللحم، فذهبن به ما شاء الله تعالى. ثم قال لصاحبه: افتح فانظر ماذا ترى. ففتح فقال: أنظر إلى الجبال.... كأنها الذباب..! قال: أغلق. فأغلق، فطرن به ما شاء الله، ثم قال: افتح... ففتح. فقال: انظر ماذا ترى. فقال: ما أرى إلا السماء، وما أراها تزداد إلا بعدًا. قال: صوّب الخشبة. فصوّبها فانقضت تريد اللحم، فسمع الجبال هدتها فكادت تزول عن مراتبها.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أخذ الذي حاجَّ إبراهيم عليه السلام في ربه نسرين صغيرين، فربّاهما حتى استغلظا واستعلجا وشبّا، فأوثق رجل كل واحد منهما بوتر إلى تابوت. وجوّعهما وقعد هو ورجل آخر في التابوت، ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم فطارا وجعل يقول لصاحبه: انظر ماذا ترى؟ قال: أرى كذا وكذا.
حتى قال: أرى الدنيا كأنها ذباب. قال: صوّب العصا. فَصَوَّبَها فهبطا. قال: فهو قول الله تعالى: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} وكذلك هي في قراءة ابن مسعود {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه، أن بخت نصر جوّع نسورًا، ثم جعل عليهن تابوتًا، ثم دخله وجعل رماحًا في أطرافها واللحم فوقها، فَعَلَتْ تذهب نحو اللحم حتى انقطع بصره من الأرض وأهلها، فنودي: أيها الطاغية، أين تريد؟ ففرق، ثم سمع الصوت فوقه فصوب الرماح فقوضت النسور، ففزعت الجبال من هدّتها، وكادت الجبال أن تزول من حسّ ذلك. فذلك قوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} كذا قرأها مجاهد.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في الآية قال: إن نمرود صاحب النسور لعنه الله، أمر بتابوت فجعل وجعل معه رجلًا، ثم أمر بالنسور فاحتمل، فلما صعد قال لصاحبه: أي شيء ترى؟ قال: أرى الماء وجزيرة- يعني الدنيا- ثم صعد فقال لصاحبه: أي شيء ترى؟ قال: ما نزداد من السماء إلا بعدًا. قال: اهبط.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبيدة، أن جبّارًا من الجبابرة قال: لا أنتهي حتى أنظر إلى من في السماء. فسلط عليه أضعف خلقه، فدخلت بعوضة في أنفه فأخذه الموت، فقال: اضربوا رأسي. فضربوه حتى نثروا دماغه.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم، عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} قال: انطلق ناس وأخذوا هذه النسور، فعلقوا عليها كهيئة التوابيت ثم أرسلوها في السماء، فرأتها الجبال فظنت أنه شيء نزل من المساء، فتحركت لذلك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: أمر الذي حاجّ إبراهيم في ربه بإبراهيم، فأخرج من مدينته فلقي لوطًا على باب المدينة وهو ابن أخيه، فدعاه فآمن به وقال: إني مهاجر إلى ربي. وحلف نمرود أن يطلب إله إبراهيم، فأخذ أربعة فراخ من فراخ النسور، فربّاهن بالخبز واللحم... حتى إذا كبرن وغلظن واستعلجن، قرنهنّ بتابوت وقعد في ذلك التابوت، ثم رفع رجلًا من لحم لهن، فطرن حتى إذا دهم في السماء أشرف فنظر إلى الأرض وإلى الجبال تدب كدبيب النمل، ثم رفع لهن اللحم ثم نظر، فرأى الأرض محيطًا بها بحر كأنها فلكة في ماء، ثم رفع طويلًا فوقع في ظلمة، فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته، فألقى اللحم فأتبعته منقضات، فلما نظرت الجبال إليهن قد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهن، فزعت الجبال وكادت أن تزول من أمكنتها، ولم يفعلن.